علي حسين موسى عصيدة
الدورة الأولى
"الأمهات مركز التواصل"
المهنة: مدير مدرسة ذكور رقم (1) الأساسية- منطقة نابلس- وكالة الغوث.
المؤهلات الأكاديمية والمهنية:
· دبلوم معهد معلمين، وبكالوريوس وماجستير تربية.
· دورات في المجالات التربوية والإدارية والفنية.
أبرز الأنشطة التربوية والمجتمعية:
· تعليم مباحث لصفوف مختلفة ،وإدارة عدة مدارس.
· عضو مجلس قروي سابق، ورئيس للجان المحلية، وقيادة حلقات تدريبية للأمهات في المجتمع المحلي.
وصف موجز للمبادرة ومبرراتها
تأتي مبادرتنا تلبية لحاجة ماسة متمثلة في تدارك حالة التيه التي تخيم على العلاقة بين المدرّس من جهة والطالب وذويه من جهة أخرى، وتؤثر سلبا على أسلوب التدريس وآلية التعامل مع الطالب وخاصة في مراحل دراسته الأولى، فالمعلم محبط من قلة تعاون الأهالي، والأهل غافلون عن تعليم أولادهم أو مساعدتهم، أو حتى سؤالهم عن دراستهم؛ وهناك قطيعة شبه مطلقة بين البيت والمدرسة.
جاءت فكرة المبادرة لتجمع الأطراف ذوي العلاقة على لغة متناغمة، على سلم واحد، وتجاه هدف واحد، سواء من الناحية التربوية أو التعليمية؛ فكان اختيار الأمهات محاولة جادة لتجاوز مشكلة الوسيط الصعب وهو الأب، الذي لا يستطيع التواصل الدائم، لذا لم يكن بد من الوصول لرأس النبع، المنهل الأول والمعلم الأكبر، الأم الحنون، والبحث عن آليات للتواصل معها لإيجاد لغة مشتركة في التدريس، والتعامل مع الأبناء وخاصة في هذه الفترة الحرجة من العمر.
ترسخت الفكرة لديّ في شهر آذار سنة 2008، وتطورت بالتعاون مع معلمي الصفوف الثلاثة الأولى والمرشد التربوي، ومن خلال شراكة داعمة مع مدرسة الأمهات في مخيم عسكر في نابلس التي وفّرت المكان والتغطية الإعلامية، وإعلانات الجرائد المحلية. وتقوم فكرة المبادرة أساسا على تنفيذ حلقات تدريبية تقدم لأمهات الأطفال في الصفوف الثلاثة الأولى، وفي المواد الأساسية: اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم. ومن أجل تحقيق وتطوير علاقة فاعلة بين المدرسة والمجتمع- وبالتحديد الأم التي تلتصق بالطفل بصورة مباشرة- وإقامة شراكة حقيقية بين المعلم وإدارة المدرسة من جهة وأمهات الأطفال من جهة أخرى، كان البحث عن المكان والزمان المناسبين والآليات المناسبة لتنفيذ تلك الحلقات التدريبية، ومنها الترتيبات من قبل المدرسة المستضيفة للحلقات، وتحديد المشاركين وأدوارهم والمادة العلمية التي يتم التحدث عنها، وأساليب طرح تلك المادة وتوفير الوسائل المعينة التي تساعد على تقديم المادة بصورة مشوّقة تدعو الأمهات للعودة للحلقات التالية وكأنها حلقات مسلسل تلفزيوني يحفز الأم لحضور الحلقة التي تليها؛ فيتأتى لنا حضور الأمهات وتقديم المادة وأساليبها وطرح العشرات من المشكلات التي تواجه الأم في تدريس أبنائها وخاصة في المواد الأساسية، فضلا عن أساليب تدريس هذه الصفوف لمادة اللغة الإنجليزية التي تصعب على المعلمين فكيف بغير المختصين؟ ولا ننسى أساليب تعامل الوالدين وخاصة الأمهات مع أبنائهن، و قدمنا هذا من خلال المرشد ومدير المدرسة.
أثر المبادرة في المجتمع المدرسي
فجرت المبادرة حراكا اجتماعيا فاعلا في جو محافظ، من خلال تدفق الأمهات لحضور الحلقات وزيادة عدد الأمهات المراجعات اللواتي حضرن للمدرسة للسؤال عن وضع أبنائهن؛ وكان لهذا بدوره أثر كبير في ميدان التعليم والتعلم كمحور من المحاور الرئيسة، حيث تناغم أسلوب المعلم مع الأم المشرفة على تعليم الطفل في البيت؛ ووفر ذلك على المعلم الكثير من الجهد داخل الفصل، فاستطاع أن ينجز أهدافه بصورة أفضل وأسرع وأدق، كما ساعد الأم على تفهّم أساليب المعلم، ووفر الوقت والجهد؛ وتضافرت الجهود لتحسين التحصيل، وجعل تعلم الطفل أكثر مواءمة من ذي قبل؛ ولا ننسى أن الاتصال المباشر بين الأم والمدرس ألغى دور الوسيط في كثير من الحالات التي تعتبر أنها في أفضل وضع توصل أجزاء مبتورة مما يسمع من المعلم وربما لا توصل شيئا.
وأما بشأن المناخ العام للمدرسة؛ فقد كان لهذه المبادرة إصابات دقيقه ومحددة في جوهر هذا المحور؛ إذ تأثر وضع المدرسة بصورتها العامة لتصبح أكثر مواءمة للطالب ليعيش بانسجام مع الآخرين ومع جو الغرفة الصفية، وعلاقة المعلم بالطالب والطالب مع زميله ولون العلاقة بين المعلم والطالب؛ كما ربطت المدرسة بجوها العام ومؤسسات المجتمع المحلي؛ وكشف هذا عن قدرات وإمكانيات كامنة لدى الأطفال، واكتسبت المدرسة خبرة جيدة في مجال الإعلام وتبادل الخبرات وتغطية الأحداث وذلك من خلال التغطية الإعلامية للمبادرة؛ واستطاع المعلم المشارك وإدارة المدرسة أن يسبرا غور العائلات وتعرّف مشكلاتها وتحديد أنجع الوسائل لحلها، وبذلك أصبحت المدرسة جوا يجعل الطالب أكثر قابلية للتكيف مع ما يدور حوله في البيت والمدرسة والمجتمع.
عوامل النجاح في هذه المبادرة
كان للمعلمين ومجلس الآباء ومؤسسات المجتمع المحلي دور بارز في تفعيل هذه المبادرة؛ فتعاضد الجميع لإنجاحها، لتكون بذرة تكبر وتثمر في المدرسة وتصبح سيرة تحتذى في المدارس الأخرى، وخاصة لأن التنفيذ ليس مكلفا ولا يسبب الإرهاق المادي ويعتمد المصادر المادية والبشرية المتاحة، لكنه يحتاج إلى صبر وجدّ واستخدام الآليات السليمة وسعة الصدر والعلاقات الوثيقة مع المجتمع المحلي، وسيرة جيدة من مدير المدرسة والهيئة التدريسية؛ كما يحتاج إلى الآليات السليمة في الوصول إلى الأمهات وإقناعهن بضرورة حضور تلك الحلقات، وإعادة تلك الحلقات في السنوات القادمة، حتى تصبح الأمور ميسّرة وسهلة المنال.
وشارك في إنجاح هذه المبادرة معلمو الصفوف الثلاثة الأولى، إضافة للمرشد التربوي الذي شارك في الإعداد والتخطيط، وتحديد الآليات والتنفيذ، وتحديد الزمان والمكان، وأخذ الموافقات؛ وتم الاشتراك مع مدرسة الأمهات في تعاون منقطع النظير، فأسهمت في تهيئة المكان وبعض الوسائل المساندة وبعض وسائل الإعلام.
التعاطي مع التحديات والصعوبات
ما من شك في أن أي عمل جاد سيواجه بعقبات تكثر أو تقل بحسب طبيعة العمل وحساسيته، فقد واجهت هذه المبادرة صعوبة من نوع معين يحمل في طيّاته حساسية كون جميع المدرسين ذكورا، يتعاملون مع الأمهات في مجتمع يحد من مشاركة المرأة في كثير من الأنشطة؛ ولا شك في أن الصعوبة تزداد شدة في المجتمعات المحافظة أكثر من مجتمع المدينة الذي يعيش مناخا أكثر حرية مقارنة بمجتمع القرية والمخيم.
هذا بالإضافة إلى عدم اكتراث الكثير من الأهل بحضور مثل هذه الحلقات أو سماع تلك الدعوات، وهذه بعض الإشكالات في الوصول لإنجاز المبادرة؛ ولكني وبفضل الله استطعت التغلب على المشكلة، بمشاركة زملائي وحسن التخطيط وإشراك مدرسة الأمهات، والمدرسين أبناء المخيم والعلاقات الخاصة وأسلوب الدعوة، وكلها أدوات سهّلت المهمة؛ ولعل إيماني بأهمية المبادرة وثقتي بنجاحها لعبا دورا بارزا في استجابة الأمهات اللواتي حضرن تلك الحلقات.
تطلعات مستقبلية
يمكن لفكرة المبادرة أن تصبح ملهمة لكثير من أصحاب القرار لتوجيه أنظارهم إلى دور الأم المميز في الإشراف على تربية أبنائها وتعليمهم؛ فهي ترى في التواصل مع الأم أمرا ذا بال، وذا أثر كبير في تناغم المدرسة مع البيت، والتوافق على الأساليب والطرائق؛ لذا لا بد من وضع برامج للأمهات في المدارس يطبق فيها كلا شقّي المبادرة: أسلوب التدريس وطرائقه، ومعاملة الطالب في البيت والتواصل المباشر بين المدرسة والأمهات، لينضم الجميع في بوتقة واحدة متناغمة؛ حيث أن لكل طالب خصوصية فريدة تميز أساليب تعبيره عن ذاته من غيره من الطلاب، ومن المهم مراعاة هذه الخصوصية لكل طالب.
ولمّا كانت المدرسة البيت الثاني للطالب؛ فإنها لا بد أن تتواءم مع البيت، ولما كانت الأم الأكثر اتصالا مع الطالب وأكثر تتبعا له؛ فإنه لا بد من تدريبها ووضعها في صورة ما يحدث في المدرسة.
المبادرة كما رآها آخرون
|