جمال حسن اشتيوي
الدورة الأولى
"الفنون الأدائية مدخل إلى الطفولة السوية"
المهنة: معلم في مدرسة ذكور بلاطة الأساسية الأولى- منطقة نابلس- وكالة الغوث.
المؤهلات الأكاديمية والمهنية:
· دبلوم لغة عربية/دار المعلمين.
· عدة دورات تربوية في اللغة العربية والحاسوب، والمهارات الإدارية والاتصال والتواصل.
أبرز الأنشطة التربوية والمجتمعية:
· تعليم عدة مباحث إنسانية ولعدة صفوف في مدارس الوكالة
· مدير نادي الطفولة السعيدة /بلاطة، ومنسق حقوق الطفل والبرلمان المدرسي. المدرسة، وعضوية لجنة مدارس أمنة ومحفزة، وشبكة مؤسسات المجتمع المحلي.
وصف موجز للمبادرة ومبرراتها
مبادرتنا مما يمكن اعتباره نتاجا تربويا فنيا تشاركيا وإن اتخذت شكل قالب فني مسرحي درامي موسيقيتنفذه مجموعة من طلبة مدارس الذكور والإناث في مخيم بلاطة. وهدفت هذه المبادرة إلى صقل قدرات الأطفال وبناء شخصياتهم وصحتهم النفسية، وتمكينهم من استثمار أوقات فراغهم، وتفريغ ما لديهم من طاقات، والتركيز على الملكات والمهارات المركبة، وتعزيز ما لديهم من فضول واستكشاف وإبداع وتكيف ومرونة.
ونبعت مبادرتي من واقع الطفولة المهملة في المخيم، بسبب الظروف القاسية التي يعيشها أطفال المخيمات في ظل الاحتلال، وظهور ظواهر سلبية بينهم، كالقلق والخوف وتزايد نسبة العنف بين الأطفال، وتدني مستوى التحصيل الدراسي، فكانت المبادرة محاولة لاحتواء الفئة المستهدفة (10- 14 سنة) من كلا الجنسين، وانخراطهم في أنشطة ثقافية فنية مخططة تقضي على أوقات الفراغ، وتحقق ذواتهم، وصولا إلى بيئة مدرسية داعمة ومحفزة لنماء الطفل من منظور شمولي.
ولأن تعلم الأطفال مسؤولية المجتمع بأسره، عقدت اجتماعا عام للمدربين والمتطوعين والأطفال، ودمجهم في نشاط ترفيهي فني، لجذبهم وتعريفهم بالمبادرة، وإجراء المقابلات والترتيبات اللازمة واختبارات لقياس قدراتهم الفنية في الفنون الأدائية لمعرفة ميولهم الفنية، وفرزهم إلى مجموعات (دبكة، وغناء، ومسرح) من كلا الجنسين، مدركين أن لكل طفل خصوصيته وتكوينه الفريد ومتطلبات نمائه، وإجراء تدريبات على الحركات الأساسية، وخضوعهم لتدريبات مكثفة في اللياقة البدنية، وفي أساسيات نظام الكورال وألوان الدبكة والمسرح، واعتماد أغان شعبية مؤلفة وملحنة، مستعينين بشاعر شعبي، وملحن موسيقى، والتدرّب عليها من قبل الكورال وفرقة الرقص، على شكل أوبريت غنائي درامي راقص بشكل مصغر، بالإضافة إلى المسرحيات القصيرة( الناطقة والصامتة)، وبعد اختيار مجموعة مدربة من الأطفال، تم اختيار لوحات أخرى متقدمة، وأغان مؤلفة وملحنة، وبدأت مرحلة التسجيل بالتعاون مع أستوديو فني واعتمادها بواسطة (CD).
أثر المبادرة في المجتمع المدرسي
ألقت مبادرتي بظلال إيجابية على الأطفال، لا سيما ضعاف التحصيل من خلال زيادة تحصيلهم المدرسي، وتعرف الطلبة على مكامن القوة الموجودة لديهم وتطويرها بشكل منظم ومخطط بسبب اهتمام المعلمين والإدارة بأنشطتهم؛ مما كان له تأثير واضح في انضباطهم السلوكي، وثقتهم العالية بذاتهم، وتوسع شبكة علاقاتهم، واحترامهم من أقرانهم، ومن الكبار، والحد من التمييز بين الذكور والإناث، واستثمار وقتهم في أنشطة إيجابية.
أما الأهالي، فقد أكدوا حدوث تغير ايجابي في سلوك أبنائهم في الأسرة ورعايتهم الكاملة لأبنائهم واحترامهم لحقوقهم في التعبير عن شخصياتهم، وممارسة حقهم في اللعب بدور المؤثر في المحيط، وتغيير النظرة السائدة لمفهوم النوع الاجتماعي، مع معارضتهم بادئ الأمر لوجود الذكور والإناث معا.
عوامل النجاح في المبادرة
يبقى الكمال لله، فالشعور بالرضا عما حققته يبقى متفاوتا من شخص لآخر، وأنا أقول: "ما تم إنجازه ليس بالأمر اليسير، والخوض في غمار هذه التجربة كان يحتمل النجاح والفشل، فإرادتي وإيماني العميق بهذه الممارسة، التي هدفها الطفل، والارتقاء بمتطلبات نمائه، صنعا مني شخصا جلدا لإخراج هذا العمل إلى حيز الوجود".
ولكوني معلما، ومنسقا لحقوق الطفل في المدرسة، ومديرا لنادي الطفولة السعيدة، ونظرا لإطلاعي الواسع على حجم التحديات والظروف الصعبة في محيط الطفل، فقد رأيت أن مبادرتي هذه أهل لأن تكون قدوة، لأن أعضاء الفرقة من بيئة مخيم مشرد له ما يعبّر عنه من فن، وهم من كلا الجنسين، ولأن الفرقة تؤدي ألوانا متعددة من الفنون الأدائية، ومعظم رقصاتها وأغانيها جديدة ومبتكرة حتى نصوصها وكلماتها، واهتمامها الكبير بنقل التراث الفلسطيني بصورته المشرقة، التي تتوافق مع المرحلة الجديدة،بما يضمن العيش مع الآخرين بسلام، ويحقق للأطفال ذاتهم وثقتهم، ويراعي صحتهم النفسية، وييسرانفتاحهم على البيئتين المحلية والعالمية، ويزيد من تواصل ثقافات الشعوب ببعضها، وتقبلهم للطرف الآخر، وتأثيرهم الإيجابي في أقرانهم وتفاعلاتهم الاجتماعية مع الآخرين.
وساعد في نجاح المبادرة عوامل عدة ،منها: مساعدة المعلمين لمشرف المبادرة من خلال اقتراح مخطط الأنشطة، وتشجيع الطلبة المشاركين في هذه المبادرة؛ حيث عرض بعض المعلمين خدماتهم، لإنجاح المبادرة، كمتابعة الفرقة والإشراف عليها، و كتابة بعض الأغاني الشعرية،ورغبة بعضهم الحثيثة في دمج أبنائهم ضمن المبادرة، وإدلاء بعض المعلمين والمعلمات بملاحظاتهم الإيجابية حول الأطفال قبل انخراطهم في المبادرة وأثناء تنفيذها، وتقديم الآراء والانتقادات البناءة بعد كل حفل وعرض حضروه.
أما المجتمع المحلي، فقد شجع المجتمع المبادرة، ودعمها ضمن إمكانياته المناسبة والمحدودة، وتزايد الطلب على مشاركة هذه الفرقة في المناسبات الوطنية، و داخل الوطن و المؤسسات والجامعات الفلسطينية.
ومن عوامل النجاح أيضا أن مبادرتي تعد فريدة ومبدعة لتبنيها الفنون الأدائية للوصول إلى طفولة سوية،وهي ريادية لمساواتها بين الجنسين، وخلاّقة لأنها اعتمدت النهج التشاركي، ولأنها تحكي معاناة بيئة الطفل وتعبر عن حقوقه وواقعه.
التعاطي مع التحديات والصعوبات
لا يخفى على أحد الصعوبة التي واجهتها في تنفيذ المبادرة، لكونها عملا تربويا وفنيا وإبداعيا، فقد احتاجت إلى وقت طويل، وجلد، وتحمل للمسؤولية من قبل الجميع، وإلى التعاطي الخلاق مع الأطفال والمدربين؛ وصادفت المبادرة مجموعة من العقبات مثل تعذر وجود قاعة متخصصة أو وخشبة مسرح، وتسديد أجرة المدربين، وارتفاع كلفة اللباس، واختلاف أمزجة الأطفال من ذكور وإناث حتى المدربين، وقلة الموارد المالية الكافية لتحقيق عمل يشار إليه بالبنان.
ومن أجل مصلحة العمل ،عقدت الكثير من اللقاءات التشاورية، والاجتماعات الدورية مع فريق العمل، والأطفال، وأولياء أمورهم؛ وتم تبادل الآراء والمقترحات للسير قدما، وتم تعيين مرشدين نفسيين لكلا الجنسين من الأطفال، ووضع برامج ترفيهية كمسابقات فنية ورحلات، واعتماد مبدأ الحوافز بينهم بين الحين والآخر؛ أما طبيعة مكان التدريب فلم يكن بد من التكيف مع المكان، لعدم وجود بدائل أخرى، فمخيمنا يفتقر للمسارح والقاعات المتخصصة، وبالنسبة لقضية اللباس التراثي؛ فقد اقتصر الأمر على ملابس بسيطة معبرة، وتفصيلها بكلفة مقبولة؛ وعلى مستوى المدربين وشراء المواد، تمكنا من خلال دعوتنا إلى فرنسا لتقديم عرض فني، من توفير مبلغ لسد هذه الاحتياجات، في سبيل خلق قيادات شابة مدربة تعمل جاهدة لتسلم مسؤولية تدريب الفرقة فيما بعد.
تطلعات مستقبلية
آمل أن يكون هذا العمل نموذجا يقتدى به، وبإمكان أية مؤسسة أو مدرسة، الأخذ به وتطويره؛ ويتأتى ذلك- كما أرى- بالتنسيق مع مبادرات ذات صلة، لتحقيق أهدافها، وإيجاد موقع إلكتروني خاص بها، وإجراء مقابلات تلفزيونية وإعلامية حول أهداف المبادرة وأنشطتها،والاستمرار في البحث عن النصوص المسرحية والغنائية البعيدة عن العنف لتحقيق اهتمام الآخرين بقضية شعبنا و طفولتنا المسلوبة، والتكيف مع متطلبات العصر في تغيير الممارسات السلوكية بلغة الجسد والحركة واللحن، وإدماج هذه الألوان في مناهج التربية الفنية والمقررات المدرسية، والاهتمام بها، وتعيين متخصصين في الموسيقى والرقص والمسرح والدراما، وإعطاء المعلم هامشا من الحصص المطلوبة لتحقيق هذه الأغراض، وتشجيع فكرة المسرح المدرسي التربوي الثقافي الهادف، وتبني مثل هذه المبادرات ودعمها دعما كاملا من الدولة، أو أية جهات مانحة.
المبادرة كما رآها آخرون
|