داعس كمال أبو كشك
الدورة الأولى
"النهج التشاركي ... تغيير ببصمات ملهمة"
المهنة: مدير مدرسة ذكور الملك طلال الثانوية- مديرية : نابلس.
المؤهلات الأكاديمية والمهنية:
· بكالوريوس تاريخ .
· دبلوم الدراسات العليا/ تربية .
أبرز الأنشطة التربوية والمجتمعية:
· تدريس عدة مباحث في عدد من المدارس، و,توّلي إدارة مدارس، ومنها: طلوزة الثانوية، و الملك طلال الثانوية.
· إعداد وتأليف كتب ، ومنها: الأوضاع التربوية في الأراضي المحتلة، النهوض الوطني للحركة النقابية الفلسطينية، السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
· مؤلف مشارك في كتاب التربية الوطنية، وعشرات الدراسات والمقالات التربوية والاقتصادية والثقافية.
وصف مختصر للمبادرة ومبرراتها
جاءت فكرة مبادرتيبعد تسلمي مهام إدارة مدرسة الملك طلال الثانوية عام 2001، حيث كانت المدرسة آنذاك تعاني من مشكلات عدة، أهمها: التراجع الحاد في دور المدرسة التربوي، وعدم وجود بيئة تربوية سليمة، والنظرة السلبية للمجتمع لها بسبب حالات العنف المستشرية بين الطلبة، وما ترتب عليها من هروب الطلاب منها وتخوف الآباء على أبنائهم، إضافة إلى تدني نسبة نجاح الطلبة، وخاصة في امتحانات الثانوية العامة، وعدم اهتمام الإدارة والهيئة التدريسية بتحسين أداء الطلبة؛ مما أدى إلى حالة انقسام شامل داخل المدرسة.
وفي ظل هذا الواقع وتلك التحديات؛ خرجت مبادرتي لتلامس احتياجات المعلمين والطلبة والمجتمع المحلي؛ فالتعليم هو الأداة الوحيدة التي بين أيدينا للتعامل مع كل القضايا، وتحسين الفرص التعليمية واجب وطني على الجميع ومسؤولية تربوية واجتماعية، والتعليم أفضل تحصين يمكن تقديمه لأطفالنا؛ وإذا ما تم صرف النظر عن التعليم سيعاني أطفالنا من عدم توافر الأمن الذي يحتاجه كل طفل من أجل الإبداع والتقدم.
واستندت مبادرتي في عملية الإصلاح الشاملة للمدرسة على مجموعة متكاملة من المرتكزات، وهي:
1. اعتماد نهج القيادة التشاركية في المدرسة، وإشراك جميع الأطراف ذات العلاقة (المدير والمعلم والطالب والأهل) ، واحترام أدوارهم وتعزيزها.
2. توفير مناخ مدرسي آمن بعيداً عن مظاهر العنف، وإيجاد بيئة تربوية محفزة، وبناء علاقات صحية بين مختلف أطراف العملية التربوية؛ فالمدرسة هي البيت الثاني للطالب، ومن المفترض أن تكون صديقة له.
3. تعريف الطلبة بحقوقهم وواجباتهم وتطوير قواعد سلوكية بمشاركتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم، وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في الحياة المدرسية، وتشجيعهم على التعبير عن آرائهم بطرق ديمقراطية، والإصغاء لهم، وتفعيل مشاركتهم في عملية التعلم، ورفع مستوى الرفاه لهم ليشعروا بالارتياح النفسي والاجتماعي.
4. احترام المعلم وتقدير دوره، وتمكينه من المشاركة في قيادة المدرسة واتخاذ القرارات وحل المشكلات التي تواجهه، والتفاعل بإيجابية مع المجتمع المدرسي، وتوثيق علاقته بالطلبة وبالمجتمع المحلي.
5. خلق علاقة تواصل بين المدرسة والمجتمع المحلي وصولا إلى إقامة شراكة حقيقية داعمة للنظام التعليمي، وإحداث تغيير نوعي في نظرة المجتمع إلى هذه المدرسة وتحسين سمعتها.
أثر المبادرة في المجتمع المدرسي
كان للحراك الذي أحدثته المبادرة تأثيره الكبير على المعلمين والطلبة، حيث استطاعت أن تخلق ثقافة جديدة قوامها الحرص والمسؤولية، وبيئة مميزة ومحفزة للطلبة من الناحيتين النفسية والاجتماعية، كما أثرت على المعلمين الذين أخذوا ينظرون إلى الطالب بوصفه شريكا في النظام التعليمي، أما المجتمع المحلي، فقد ساده الارتياح والاطمئنان لما حدث من تطور نوعي في المدرسة، أعاد لها صورتها المشرقة، وخاصة لدى الذين كان لدورهم وجهودهم فضل كبير في دعم هذه المبادرة.
ومما لا شك فيه أن مبادرتي أحدثت نقلة نوعية في مسيرة مدرسة الملك طلال الثانوية شملت أركانها كلها، حيث جعلت لها سمعة طيبة على الصعيدين الرسمي والشعبي، وما كان لهذا النجاح أن يتحقق لولا الدعم المقدم من الطلبة والمعلمين والمجتمع المحلي، الذين كانوا يتطلعون بشوق ولهفة إلى إيجاد الحلول الممكنة لمشاكل هذه المدرسة، وتطويرها من الجوانب المختلفة.
استطعنا من خلال العمل في المبادرة تحقيق العديد من الإنجازات، وأهمها:
1. تحسين الأداء التعليمي للطلبة، وتطور نتائج الثانوية العامة بشكل ملموس، وتكريم الطلبة المتفوقين من قبل المدرسة والمجتمع.
2. تطور أداء المعلمين من خلال تحفيزهم وتكريمهم سواء من قبل المدرسة، أو من قبل مؤسسات المجتمع المحلي وأولياء الأمور.
3. توسيع شبكة علاقات المدرسة والانفتاح على المجتمع المحلي والخارجي، ودعم مؤسسات المجتمع المحلي للمدرسة بإقامة الدورات التربوية والصحية والنشاطات الرياضية.
4. إقبال الأهالي بشكل متزايد على تسجيل أبنائهم في المدرسة، وأصبح للمدرسة سمعة جيدة من وجهة نظر المجتمع وأولياء الأمور والتربويين خارج نطاق المدرسة نفسها، حيث أصبحوا يعتقدون أن المدرسة تقدم برنامجا تربويا وتعليميا رائدا للطلبة، وأصبحت مركز إشعاع وقدوة حسنة للآخرين، واعتبر الطلبة الملتحقون بها محظوظين.
عوامل النجاح في المبادرة
كان لنهج القيادة التشاركيةالدور الأكبر في إنجاح المبادرة، حيث عمل مدير المدرسة ومجموعة نشطة من المعلمين والمرشد التربوي ومجموعات فاعلة من الطلبة معا وبشكل تشاركي وتكاملي لتوفير مناخ مدرسي أكثر أمنا وسلامة وديمقراطية، بعيدا عن العنف بجميع أشكاله، وتحقيق الانسجام والتناغم بين الطلبة والهيئة التدريسية، وتحقق ذلك بالتشاور والعمل كفريق، واعتماد مبدأ أن كل فرد قائد في موقعه.
وكان لدعم وزارة التربية ومديرية التربية ومساندتهما الموصولة بدعم المجتمع المحلي للمدرسة الأثر الأكبرفي تحقيق هذه المبادرة لأهدافها ، فمثلا ساعدت وزارة التربية المدرسة من خلال ترشيحها للمشاركة في بعض المشاريع التطويرية، وكان للأمهات والآباء دور بارزفي وصول المدرسة لهذه المكانة، حيث أسهموا في التقدم والتطور الذي حدث، وفي النقلة النوعية التي واكبت مسيرة العمل، وهذا عائد إلى قيامهم بمتابعة سلوك الطلبة، وتحصيلهم العلمي والاتصال مع إدارة المدرسة للتنسيق والتعاون، إضافة إلى حضور اجتماعات مسائية لذوي الطلبة الذين يواجهون إشكاليات في التحصيل الأكاديمي، الأمر الذي جعلني أشعر بالرضا والراحة لما تم تحقيقه.
وساعد في نجاح المبادرة تنفيذ مجموعة نشاطات في المدرسة وخارجها بموارد محلية متواضعة، ويأتي على رأس هذه الأنشطة تكثيف التفاعل مع مجلس أولياء الأمور بعيدا عن الصورة النمطية لهم "كجباة أو متبرعين"، والتواصل مع خريجي المدرسة، ومؤسسات المجتمع المحلي، واشتمل ذلك على عقد ندوات ولقاءات مع شخصيات تربوية واعتبارية لتوعية الطلبة ومناقشة قضاياهم ومشكلاتهم، وصيانة المدرسة وتوسيع ساحاتها وملاعبها، وتدريب الطلبة على أسلوب التعلم من خلال التعليم والعمل، وإقامة توأمة مع إحدى مدارس سالفورد في بريطانيا، والانتساب إلى شبكة المدارس التابعة لليونسكو؛ التي قدمت للمدرسة شهادة تقدير حول جودة التعليم فيها، وبناء علاقات تطويرية مع بعض الوزارات والمؤسسات الأهلية.
كما كان للنشاطات المرافقة للمنهاج أثر هام في مراعاة التكوين الفريد للطالب؛ لأن لكل طالب خصوصية فريدة، وفهم احتياجاته ركيزة أساسية في مبادرتي، فانخراط الطالب في الأنشطة المساندة للمنهاج، يساعد في الوصول إلى نظام تعليمي أكثر تحفيزا وتعزيزا للإبداع التعليمي والتربوي، وأكثر قدرة على مواكبة التطور.
ولأن المدرسة وحدة أساسية للتطوير، فإن للمدير دورا كبيرا في ترجمة ذلك على أرض الواقع، وهذا ما يلمس في مدرسة الملك طلال الثانوية، حتى أن بعض المديرين أصبحوا يتصلون بي طالبين المشورة حول بعض القضايا التربوية، والشؤون الخاصة بمدارسهم.
التعاطي مع التحديات والصعوبات
لم تكن مراحل التنفيذ الخاصة بالمبادرة مفروشة بالورود، فقد واجهتني صعوبات كثيرة، تمثلت في قدم بناء المدرسة، إذ أسس عام 1959 وتنقصه عدة مرافق حيوية، مثل: مختبر الحاسوب، وقاعة للمحاضرات والندوات والمسرح، ووحدة صحية لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى ضيق الساحات والملاعب، والاتجاهات السلبية لبعض أولياء الأمور فيما يتعلق بالعلاقة مع المدرسة.
كل ذلك؛ لم يحل دون تعاملي مع تلك الصعوبات بصبر وقوة عزيمة لأن إيماني بضرورة خلق بيئة تربوية سليمة، قادرة على أن تكون منطلقا لطفولة سوية، حلم ليس بعيد المنال، وذلك لما لمسته من اهتمام كبير في عيون طلابي وأولياء أمورهم؛ وتمكنت بفضل شبكة العلاقات التي أقمتها مع أولياء الأمور ودائرة الأشغال العامة، وشركة الاتصالات، والبنك العربي، وبلدية نابلس، ومجلس الآباء، ووزارة التربية والتعليم العالي، وجمعية الشبان المسيحية،من التغلب على معظم تلك الصعوبات ولم يبق أمامي الآن إلاّ إضافة بناء يتسع لمختبرالحاسوب، والنشاطات المدرسية.
ورغم التعب إلا أن النجاحات التي كنت أشاهدها في عيون طلابي، وموقف المجتمع المحلي، كانت تدفعني إلى بذل المزيد من العمل وتحمل المسؤولية ومواجهة التحديات، حتى بلغ الأمر أن تصدر الحديث عن مدرسة الملك طلال الجلسات العائلية والاجتماعية.
تطلعات مستقبلية
نظرتي المستقبلية للمبادرة يغلفها الأمل في مواصلة تنفيذ المتبقي منها والنظر في آليات تطويرها بإقامة علاقات مع مدارس أخرى، من أجل نقل الخبرات والمهارات لأن هناك من هم بأمسّ الحاجة لها.
المبادرة كما رآها آخرون
|