وسيم عبد الوهاب عطعوط
الدورة الأولى
" المواطنون الصغار"
المهنة: معلم /مدرسة كفر صور الثانوية المختلطة مديرية طولكرم
المؤهلات الأكاديمية والمهنية:
· بكالوريوس جغرافيا.
· دورات تدريبية في موضوعات: التواصل، والمواطنة، والقياس والتقويم، وإعداد الوسائل التعليمية،والتربية العامة،.....
أبرز الأنشطة التربوية والمجتمعية:
· تدريس مباحث الجغرافيا، والإدارة، والاقتصاد، والتربية المدنية في عدة مدارس .
· عضوية العديد من اللجان في المدرسة، والإشراف على عدد من المشاريع الريادية، ومنها: المواطنة، والعمل الكشفي، والتعزيز الصحي.
وصف موجز للمبادرة ومبرراتها
جاءت فكرة المبادرة بعد مشاركتي في دورة تدريبية في سياق مشروع المواطنة؛ حيث أنني، ولاحقا للتدريب الذي تلقيته، عزمت على جعل البيئة التعلمية أكثر استجابة لحاجات وأساليب تعلم الطالب، وعلى تمكينه من مهارات التفكير والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني واستخدام أدوات غير تقليدية بالدراسة والبحث. لذا، كلفت الطلاب بجمع مشكلات يعاني منها المجتمع المحلي، وقام الطلبة بمناقشة تلك المشكلات؛ وبالتصويت، اختاروا مشكلة مكب النفايات التابع لبلدية طولكرم كمشكلة مجتمعية ينبغي العمل عليها. حيث يعد هذا المكب الأكبر حجما في حدود بلدية طولكرم والقرى التابعة لها، إن لم يكن الأضخم في فلسطين، فهو يقبع على مساحة 10 دونم، وتقدر كمية النفايات الموجودة فيه بما يقارب (360 مليون طن)، ويبلغ العمر الزمني لذلك المكب أكثر من (40) سنة. وحسب مصادر بلدية طولكرم فإن كمية النفايات التي تلقى به يوميا (210-230) طن. ورأى الطلبة أن المكب في وضعه الحالي يعد مكرهه صحية ينبغي إزالتها فورا.
رأى الطلبة أن فكرتهم في نقل مكب النفايات إلى مكان آخر ستلقى دعم ومساندة الأهالي والمتضررين بشكل خاص والمواطنين بشكل عام ومن كافة المؤسسات الشعبية (مؤسسات المجتمع المدني) والمؤسسات الرسمية، وقام فريق من الطلبة وبمساعدتي بالاتصال مع مديريات الصحة والبيئة وإجراء لقاءات حيث تبين لهم أن هناك مواد في الدستور الفلسطيني وقوانين الصحة العامة ووزارة البيئة تدعم وجهة نظرهم في الحفاظ على البيئة النظيفة.
بعد ذلك؛ قسمت طلبة الصف إلى 4 مجموعات؛ مهمة الأولى تفسير المشكلة، وجمع المعلومات والبيانات والإحصاءات عنها، ومهمة المجموعة الثانية الاطلاع على القوانين ومسودة الدستور، وقانون الصحة العامة لمعرفة مدى التزام الجهات المختصة بالقانون، على أن تقوم المجموعة الثالثة بوضع خطة تفصيلية للحل معتمدة على الدراسة الميدانية التي أجراها طلبة المجموعة الأولى استنادا للقوانين التي زودهم بها طلبة المجموعة الثانية؛ أما المجموعة الرابعة فتقوم بتنفيذ سلسلة فعاليات من أجل تطوير الحل المقترح الذي قدمته المجموعة الثالثة في محاولة لإقناع المسؤولين بضرورة تبني وجهة نظر الطلبة.
إن ما تتميز به هذه المبادرة هو إسهامها في تنمية حب الاستطلاع والاستكشاف لدى الطلبة، وإضافتها لعنصر عنصر التشويق والتحفيز على العملية التعلمية، حيث خرج الطالب من بيئة الصف إلى ما هو أبعد وأهم، ليتعرف على وجهات نظر شرائح مختلفة من مجتمعه.
أثر المبادرة على المجتمع المدرسي وعلى المجتمع المحلي
تركت المبادرة آثارا إيجابية على كل من الطلبة، وأولياء الأمور، والمجتمع المحلي، وشملت أثارها على الطلبة الجوانب الآتية:
( أ ) توسيع الدائرة المعرفية والعلمية عندهم، وذلك من خلال جمع المعلومات والبيانات، وإجراء المسوح الميدانية من خلال الزيارات الميدانية المتكررة، وإجراء مقابلات مع المسؤولين في كل من بلدية طولكرم وسلطة جودة البيئة. إضافة إلى البحث في المكتبة العامة التابعة لبلدية طولكرم لدراسة تأثير الملوثات البيئية على الإنسان.
( ب ) تنمية وتطوير القدارات القيادية عند الطلبة، وخلق قيادات شابه قادرة على إدارة الحوار ومخاطبة الجمهور بثبات وإصرار، وذلك من خلال متابعة المسؤولين، والتفاعل الحيوي مع وسائل الإعلام؛ والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، والمشاركة في إيجاد الحلول للتخلص من النفايات بطرق تتوافق مع مبادئ السلامة العامة.
( ج ) التوعية القانونية من خلال الاطلاع على القوانين ذات العلاقة وقانون الصحة العامة لمعرفة مدى التزام الجهات المختصة بالقانون وإجراء المقابلات مع المسؤولين وصناع القرار، لتقييم السياسات العامة للحكومة.
أما أولياء الأمور، فقد بعثت التجربة الغبطة والسرور في أنفسهم لملاحظة أبنائهم يمارسون النشاط الميداني ويتفاعلون مع مؤسسات المجتمع المحلي ووسائل الإعلام، وقام أولياء الأمور بتشجيع أبنائهم على الاستمرار في الأنشطة والفعاليات المرافقة للمنهاج، وتتوج ذلك بفوز المدرسة بالمركز الأول في مستوى محافظات الوطن وتكريم الطلبة مادياً ومعنوياً من المدرسة، ومديرية التربية التي أقامت حفلاً تكريمياً بالتعاون مع مركز إبداع المعلم في قاعة مدرسة العدوية .
ونتيجة هذه الفعاليات التي قام بها الطلبة في سياق هذه المبادرة، تم إغلاق المكب مدة أسبوعين، وحصلنا على إيعاز خطي من وزير الحكم المحلي آنذاك إلى الجهات المختصة (بلدية طولكرم) بضرورة إزالته بالسرعة الممكنة؛ وتم تخصيص قطعة أرض ملائمة للمكب الجديد وهي في حدود بلدية قلقيلية رقم (13) من حوض 7573، وهناك تنسيق بين البلديتين لإقامة مكب مشترك في هذه المنطقة يخضع للسلامة العامة ويتم التعامل مع النفايات على أسس صحية، وبهذا حفزت التجربة الطلبة على الانخراط الإيجابي والهادف في الحياة المجتمعية، وأصبحوا أكثر قدرة على مواجهة التحديات الحياتية.
عوامل النجاح في المبادرة
من العوامل التي ساعدت في نجاح المبادرة شمولية التخطيط والتنفيذ لجميع الأطراف ذات العلاقة بالإضافة إلى المتابعة والمثابرة، ففي محاولة لإقناع المسؤولين بضرورة تبني وجهة نظر الطلبة، تم تنظيم اعتصام جماهيري قرب المكب حضرته جموع غفيرة من سكان بلدتي فرعون وعزبة شوفة المجاورتين، وأصحاب المنازل المجاورة، بعد التنسيق مع رؤساء المجالس؛ وقام الطلاب بحمل الأعلام والبوسترات واللافتات الداعية لإزالة المكب والتخلص منه فورا، كما قام الطلاب والأهالي بإغلاق البوابة الرئيسة للمكب بإطارات السيارات والجلوس أرضا على مدخله في محاولة منهم لمنع سيارات البلدية من الدخول؛ وهكذا ساهمت هذه المبادرة في احترام الطالب لطرائقه الخاصة في التعبير عن رأيه، وفي تنمية روح المسؤولية الوطنية لديه، وعززت ثقة الطلبة بأنفسهم، وقدرتهم على مواجهة التحديات التي تواجه مجتمعهم.
ولعب ممثلو المجتمع المدني دورا بارزا في لفت الأنظار إلى هذه المبادرة، فقد شارك في الاعتصام الجماهيري النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي وألقى كلمة أشاد من خلالها بالجهد الذي يقوم به الطلبة، وقال: "مرة أخرى يثبت طلبة مدرسة كفر صور أنهم يقفون إلى جانب مجتمعهم، وما وجود هذه الطلائع هنا إلا دليل على اقتناعهم بما يفعلون، ويتوجب علينا جميعا مساندتهم في تحقيق أهدافهم". وتمت تغطية الحدث من قبل وسائل الإعلام المحلية مثل تلفزيون الفجر الجديد وصحيفة القدس التي نشرت في عددها الصادر بتاريخ 3/12/2005م فعاليات الاعتصام؛ ومن هنا استطاع الطلبة تعرف أهمية الإعلام ودوره في تبني قضايا المجتمع، وكيفية تسخير وسائل الإعلام وتجنيدها في سبيل تحقيق أهدافهم.
وعلى صعيد المجتمع المحلي، لقيت المبادرة الترحيب والقبول من المجتمع المحلي وخاصة الذين يقطنون بالقرب من المكب، كما ساهم سكان بلدة فرعون وعزبة شوفة بالاعتصام التضامني الذي نظم بالقرب منه، وإلقاء كلمات تطالب الجهات المسؤولة بضرورة إزالة المكب فوراً، وكذلك فعل رئيس بلدة فرعون الذي قال: " لم يأت طلاب هذه المدرسة إلى هذا المكان لولا أنهم يتمتعون بنضج فكري وتحمل المسؤولية "؛ وكذلك قدم مدير قسم الصحة في بلدية طولكرم، ومدير قسم النفايات، ومدير سلطة جودة البيئة الشكر الجزيل للطلبة على الجهود التي بذلوها؛ وساهمت بعض الجهات في دعم الطلاب في نشاطاتهم مثل محلات عماد حمزة للأدوات الصحية، والاحزاب السياسية، والبرلمانيين كالدكتور حسن خريشة، والنائب رياض رداد عن دائرة طولكرم.
التعاطي مع التحديات والصعوبات
واجهت تنفيذ هذه المبادرة مجموعة من التحديات والصعوبات، أهمها:
1. قصر الفترة الزمنية المخصصة لإنجاز المبادرة، فقد غير كافية. وتم التغلب عليها من خلال تكثيف العمل، وتوزيع الطلبة في أكثر من موقع وتكليفهم بعدد من المهمات في آن واحد. ونظرا لتنفيذ النشاطات والفعاليات أثناء الدوام الرسمي، تم استغلال حصص الفن والتربية المدنية، واستغلال الفسحة والمهمات البيتية، وتم تقسيم العمل ضمن مجموعات .
2. أدى وجود حاجز عسكري في موقع متوسط بين قرية كفر صور ومكب النفايات إلى تأخير إنجاز مهماتنا، وتم التغلب عليه من خلال عبوره مشيا على الأقدام أو الالتفاف عليه بطريق ترابية تقع إلى الشرق من الحاجز بطول 1200 متر.
3. محدودية الموارد المالية المخصصة للمبادرة وهي 500 شاقل، فقد كانت غير كافية؛ وخاصة لأن الكثير من الفعاليات والنشاطات احتاجت إلى مبالغ إضافية لتغطيتها. واستطعنا الحصول على التقنيات والمعدات اللازمة من الطلاب والمجتمع المحلي، مثل الكاميرات، والكمامات، ومكبرات الصوت، وغيرها.
4. أدى العمل بعد ساعات الدوام المدرسي إلى وجود صعوبة في التواصل مع المسؤولين وصناع القرار الذين ينهون دوامهم عند الساعة الثانية بعد الظهر. و تمت معالجة هذه المشكلة من خلال زيارة المكب بعد ساعات الدوام وزيارة المسؤولين أثناء الدوام الرسمي، بعد الحصول على إذن مسبق ودعوة المسؤولين لزيارة المدرسة.
5. كانت هناك صعوبة في استخدام أجهزة الحاسوب في تنفيذ بعض المهمات الخاصة بالمبادرة بسبب تخصيص غرفة الحاسوب لحصص التكنولوجيا، وتم التغلب على هذه الصعوبة باستغلال غرفة الحاسوب في الفسحة، وتكليف بعض الطلبة بمهمات الطباعة، وإعداد الرسوم البيانية في البيت.
تطلعات مستقبلية
أرى أن هناك إمكانية لتعميم المبادرة على جميع المدارس في فلسطين من خلال إدراج منهجية المبادرة في كتب التربية المدنية، وتعميم هذه المنهجية على جميع المدارس والمديريات، وخلق جيل قادر على مواجهة التحديات المستقبلية، وإطلاع طلبة المدارس على القوانين ومدى التزام الجهات المعنية بها، وكذلك إيجاد قيادات شابة قادرة على التعامل مع المشكلات التي تواجه مجتمعهم بمهنية عالية، بحيث يصبح الطلبة أكثر إدراكا ووعيا بما يدور حولهم، ونشوء قيادات قادرة على التفاعل مع المؤسسات الاعلامية وتجنيد الرأي العام في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية، وتربية جيل يواجه مشكلاته بخطوات متتابعة ومتسلسلة.
المبادرة كما رآها الآخرون
|