فضاءات تربوية يناقش موضوع المكانة الإجتماعية للمعلم
مقدم البرنامج: المعلم أمة تتجلى في شخص، ومهنة التعليم تحوطها هالة من القداسة منذ القدم، فهي مهنة الأنبياء والرسل، وحيثما كان يذكر المصلحون الاجتماعيون كان المعلمون يأتون في رأس القائمة، والموروث الأدبي والشعبي في ذاكرة الأمة مليء بالشواهد والأدلة على ذلك.
فهل هي ذات الصورة في الوقت الحاضر ؟ هل أصبحت مهنة التعليم مهنة غير جاذبة ؟ وكيف يؤثر هذا على نفسية المعلم ؟ وعلى أدائه؟ وما العوامل المختلفة التي تؤدي إلى عدم تقدير المجتمع للدور والمسؤوليات التي يقوم بها المعلم ؟ وكيف يمكن تعزيز هذه المكانة على نحو لائق.
للحديث عن مكانة المعلمين الإجتماعية وسبل تعزيزها يسعدنا أن يكون معنا د. غسان سرحان / القائم بأعمال رئيس هيئة تطوير مهنة التعليم، والأستاذة رشا عمر / مديرة دائرة المباحث العلمية في مركز تطوير المناهج، أهلا وسهلا بكما:
سؤال: د. غسان: كيف يمكن توصيف المكانة الإجتماعية للمعلمين بين الماضي والحاضر ؟
عند الحديث عن المعلم ومكانته الإجتماعية، باستمرار ننظر إلى المعلم على أنه صاحب رسالة، لن تتغير على مر العصور، ولا بأي ظرف من الظروف، لذلك تبؤ المعلم مكانة إجتماعية في الماضي، وهنا لن أتحدث عن الماضي البعيد جدا، بل القريب ومن واقعنا في المجتمع الفلسطيني، حيث كان المعلم صاحب شأن، ينظر إليه كأحد الرموز في البلد، على مستوى القرية، في المجتمع المحلي، حيث كان أحد أربعة عناصر أساسية حيث اي حركة المجتمع الفلسطيني، من حيث الحفاظ على التراث، على العادات والتقاليد، بناء الأجيال، صقل المواهب، وأمور أخرى عديدة داخل المجتمع، وهذا يعود للمكانة الإجتماعية التي كان يتبؤها هذا المعلم. لكن في الآونة الأخيرة يمكن أن تكون هناك بعض الظروف التي تغيرت، بإعتقادي أن ظروف الإحتلال كان لها دورا في ذلك وخاصة فترة السبعينات وبداية الثمانينات، حيث العمل داخل الخط الأخضر، حيث المردود الإقتصادي لعب دورا في تغيير النظرة، حيث أصبح دخل العامل أكثر من دخل المعلم، حيث أصبح هناك عزوفا عن هذه المهنة، أو أصبح دخل مهنة المعلم لا يكفي لتغطية النفقات الخاصة بالأسرة، الأمر الذي أثر على الناحية الإجتماعية.
لكن منذ نشوء السلطة بدأ المعلم يأخذ وضعا آخر، حيث بدأ الإهتمام بالمعلم من حيث التوظيف، والبرامج التأهيلية، وبرامج الجامعات في إعداد المعلم، وهذا يعد نقلة نوعية، ومحاولة إعادته لسابق عهده من جديد.
سؤال: أ. رشا: كنت معلمة ومديرة لفترة طويلة، قبل أن تكوني في مركز المناهج، كيف تتحدثين عن موضوع المكانة الإجتماعية للمعلمين الفلسطينيين ؟
أؤيد ما قاله د. غسان من أن وضع المعلم في السابق كان أفضل، وحتى نعزز من وضع المعلم ومكانته الإجتماعية هناك مكونان رئيسيان لا بد من العمل عليهما: وهما الجانب المادي، والجانب المعنوي، فالجانب المادي المتمثل براتب جيد هو حق للمعلم، وهو ما يوفر معيشة كريمة يطمح لها اي إنسان، وعندما لا يتوفر له راتب كاف يضطر للعمل بوظيفة أخرى، وبعض هذه الوظائف قد يقلل من مكانة المعلم الإجتماعية، كأن يكون سائقا وطلابه هو الركاب، وهذا سيء بالنسبة للمعلم.
أما الجانب المعنوي فيجب أن يمتلك المعلم مهارات حياة، كالإتصال والتواصل، والثقة بالنفس، وحل المشكلات، الوعي البيئي، وحتى يمتلك المعلم هذه المهارات لا بد أن يمتلك المعرفة، حتى يقيم ذاته بشكل أفضل، ومن المهم للغاية أن يعمل المعلم على تطوير ذاته، وأن تعمل برامج إعداد المعلمين على تنمية هذه المهارات، كذلك الإتجاهات مهمة، وضمنها يأتي أن يحب المعلم مهنة التعليم، وأن يتوجه لها بحب، وإنتماء، وهكذا تكون رسالته أقوى، أحيانا المشكلة تكمن في وجود فجوة بين المهارات والمعرفة، والإتجاهات، كما أن الإنتماء يلعب دورا في تطوير الذات بشكل مستمر.
أتذكر أننا عملنا على دراسة عام 2000 في مشروع المدرسة صديقة الطفل، وكان أحد أهم محاورها المدرسة صديقة المعلم، وكان أحد القضايا المهمة أن يدرس المعلم تخصصه، وأن يكون عدد الحصص مناسب، وأن يقوم بتقييم المشرف، والمدير، جميع هذه العناصر تعزز دور المعلم، كما أن وجود وحدة في الوزارة تهتم بالمعلم من شانه تعزيز هذه المكانة
في الحديث عن مكانة المعلمين الإجتماعية، قمنا باستطلاع آراء بعض المعلمين/ات، والمديرين/ات حول هذا الموضوع، لنشاهد معا، ثم نعود إلى الحوار.
أحد المعلمين: في الحديث عن مكانة المعلم، أعتقد أن هذه المكانة قد تراجعت بين الماضي والحاضر، وأظن أن السياسات المتبعة قد أدت إلى هذا الأمر.
مديرة مدرسة: هذه المكانة تعززت بنواحي، وتراجعت بنواح أخرى، تراجعت من حيث نظرة المعلم لنفسه لأسباب إقتصادية، حيث أن مهنة التعليم أقل الوظائف تعزيزا من الدولة، من ناحية إجتماعية أعتقد أن هذه المكانة موجودة، وهي في أعلى السلم، حيث هذه المكانة محفوظة لدى الطلبة، وكذلك أولياء الأمور.
أحد المعلمين: هذه المكانة تراجعت كثيرا، في الماضي كان للمعلم مكانة مرموقة حيث نظرة المجتمع الإيجابية له، ويعود هذا لعدة أسباب، حيث كان يجد إحتراما بين الناس، مكانته جيدة، مكتفي إقتصاديا، حيث النواحي الإقتصادية تؤثر على النواحي الإجتماعية، أما في الحاضر فمع حاجة المعلم الإقتصادية يضطر للعمل في أكثر من مهنة مما عمل على تراجع مكانته عن السابق.
مدير مدرسة: كان ينظر للمعلم على أنه المصدر الوحيد للمعلومات، وأنه العارف بجميع العلوم، حتى أن المعلم قديما كان يدرس جميع المباحث، وكان هذا يعطيه مكانة إجتماعية بين الناس، أما في الوقت الحالي فالمكانة تعززت حيث أصبح يدرس تخصص معين، ولا ينبغي النظر للمعلم فقط من الناحية المادية، حيث يربط البعض بين مكانة المعلم وبين الناحية المادية وهذا خطا شائع. المعلم صاحب رسالة، ورؤيا، يقوم بتأديتها بغض النظر عن نظرة الناس إليه.
إحدى المعلمات: تراجعت هذه المكانة بشكل كبير وملحوظ، في الماضي كان للمعلم هيبته، ومكانته، وإحترامه، أتذكر كيف كنا نحترم معلماتنا، اليوم أصبح المعلم هو من يخاف الطالب
سؤال: د. غسان: شاهدنا معا بعض الآراء للمعلمين، والمديرين، رأيكم فيما طرح ؟
الآراء تجسد تجربة من يرويها، ونظرته لوضع هذا المعلم ومكانته، أنا مع بعض الأمور التي طرحت، وأتحفظ على البعض الآخر، أعتقد أن مكانة المعلم ما زالت موجودة، وما دام هناك دعم سياسي لهذا المعلم سيستمر في القيام بواجبه ودوره كما يجب، لكن من حيث النظرة الإقتصادية، قد لا يكون دخل المعلم من أدنى المدخولات في الوقت الحالي، لكنه لا يكفي للمعلم ليكون قدوة، فالمعلم القدوة يجب أن يكون في وضع يقبل هذه الوظيفة، ويدافع عنها، يفتخر بها، يرى نفسه في عيون الطبيب والمهندس، والمقاول، وأي إنسان في المجتمع، على أساس أنه صانع هذه الأجيال، وهو الذي يهندس العقول، إذن هو صاحب مهنة، فإذا نظر المعلم لنفسه على أنه صاحب مهنة سيفتخر، وستكون له مكانة إجتماعية عالية. الزملاء الذين تحدثوا عن النظرة للمعلم بين الماضي والحاضر أتوقع أن هذه المكانة ما زالت موجودة، ولكن لو حكمنا على الموضوع فقط من ناحية إقتصادية ممكن يكون اللي تفضلوا فيه صحيح.وأنا لا أنكر أهمية الجانب الإقتصادي، ولكن ثقة المعلم بنفسه مهمة أيضا وتلعب دورا مهما
سؤال: أ. رشا: هل تؤيدين ما طرح في المقابلات، وأنت كنت معلمة لسنوات ؟ هل الموضوع الإقتصادي هو الموضوع الأهم ؟
أنا أتفق مع الذي ذكر أن المعلم صاحب رسالة أولا وأخيرا، في الدراسة التي تحدثت عنها سابقا عام 2000 كان الراتب آخر ما تحدث عنه المعلمون، سبقها أن المعلم بحاجة إلى أمان وظيفي، وأن يسمح له النظام بتقييم ذاته وطلابه، هو يطلب عدالة داخل المدرسة، وسلم للترقيات، وأن يكون هناك تشجيع وتعزيز للمعلم المتميز، وأن يكون هناك دورات تطويرية، لا أحد ينكر أهمية الراتب، ولكن يسبقه قضايا أخرى كثيرة، الوزارة تعمل حاليا على جوانب تطويرية كثيرة، ينبغي أن يكون المعلم في سلم أولوياتها، في الدرجات، وتقليل نصابه من الحصص، وهذا ما تغطيه المهننة التي نأمل تحقيقها في المرحلة القادمة، وتطبيقها بشكل عملي.
سؤال: د. غسان في موضوع المكانة الإجتماعية للمعلمين أثبتت بعض الدراسات أن سياسات الدولة تلعب دورا كبيرا في رفع وتعزيز مكانة المعلم الإجتماعية ما رأيكم ؟
نحن نعمل الآن في وزارة التربية والتعليم على معايير المعلم برتبه المختلفة، الشغل الشاغل لنا في هيئة تطوير مهنة التعليم هو المعلم، ورفع المكانة ليس بالضرورة أن يكون باستمرار هو رفع الراتب، وما هذا إهتممنا به في الهيئة، فأخذناه بأكثر من إتجاه، فركزنا على الناحية المعنوية للمعلم، بحيث يعتز بمهنته، وإعادة الكرامة لهذا المعلم، الكرامة المعتمدة على الكرامة الإجتماعية، والكرامة الإقتصادية، أما الناحية الثانية فهي تأهيل المعلم، فمن خلال إستراتيجية إعداد وتأهيل المعلمين تم الحديث عن تأهيل المعلمين قبل الخدمة، وأثناء الخدمة، وهذا يكفل إعداد المعلم بشكل سليم، ومن ناحية عملنا على رتب المعلمين، ففي المستقبل سيكون عندنا المعلم، والمعلم الأول، والمعلم الخبير، وفي كل مرحلة سيقيم المعلم نفسه، وأن يعمل ملفا وظيفيا له، هذا الملف المهني، أو الوظيفي سيعزز ثقته بنفسه، ويتقدم به لهذه الرتبة الجديدة، وفي هذه الرتبة سيتعزز وضعه الإقتصادي، حيث سينال علاوة وظيفية، وعلاوة إقتصادية. النقطة الأخيرة هي إجازة مزاولة المهنة، على غرار الطبيب والمهندس أو أي مهنة أخرى في هذا المجتمع، وفي السنوات القادمة لن يعين في وزارة التربية والتعليم سوى من يحمل مؤهل تربوي، حيث غيرت الجامعات في كثير من برامجها، إضافة إلى البدء داخل الوزارة بتأهيل المعلمين أثناء الخدمة إبتدات بتأهيل المعلمين من صف أول لرابع، وسيعقبها تأهيل المعلمين من خامس لعاشر، على أن يتبعها خطوات لصف 11+ 12
سؤال: أ. رشا: في الحديث عن مكانة المعلم، هل من علاقة بين هذه المكانة ومخرجات عملية التعليم ؟
من المؤكد، فالمعلم الذي يشعر بالإحباط والعجز، سينعكس على طلبته، المشكلة الكبرى التي كانت تواجه المعلم هي أن جميع من حوله يتطورون ويسيرون نحو الأمام بينما هو يبدأ بمبلغ 1500 شيكل وينتهي بمبلغ 2000 شيكل، ولا يتطور، حتى لو تعب ودرس ونال الماجستير وضعه لا يتغير، ويمكن للإستراتيجية التي تحدث عنها د. غسان أن تحدث نقلة نوعية. كنا نتفاجأ في بعض المعلمين الذين لا يبذلون جهدا، بينما بعضهم مبدعين، كيف سنميز بين هذين النموذجين ؟ لا بد من وجود أداة تقيس وبالتالي تقدر وتقيم، وتعطي حوافز للمعلمين
في الحديث عن تعزيز مكانة المعلمين الإجتماعية، والسبل التي يمكن من خلالها تعزيز هذه المكانة، قمنا باستطلاع آراء بعض المعلمين/ات، والمديرين/ات حول هذا الموضوع، لنشاهد معا، ثم نعود إلى الحوار.
أحد المعلمين: بالإمكان تحقيق ذلك عن طريق قوانين جديدة تمكن المعلم من إثبات ذاته، وإظهاره في المجتمع على أنه ذو قيمة كبيرة، وأنه من ينشئ الأجيال.
مديرة مدرسة: الحل في مهننة التعليم، بمعنى جعل التعليم مهنة كسائر المهن الأخرى، له رتب مزاولة للمهنة
أحد المعلمين: الحل هو أن نكفيه إقتصاديا، أن ننظر له نظرة إحترام وتقدير من قبل الدولة ومؤسساتها المختلفة، وأن لا تكون النظرة له فوقية، التعامل مع مطالبه بدراسة وأن لا تقابل بالرفض الدائم، وأن نكفه عن العمل خارج أوقات الدوام الرسمي.
إحدى المعلمات: الصلاحيات التي سلبت منه أثرت عليه، وبالتالي يجب أن تعود، وتقيل تدخل أولياء الأمور في شؤون المدارس، وتحسين وضعه الإقتصادي
سؤال: د. غسان إستمعنا لكثير من الآراء، ما رأيكم فيما طرح ؟
الآن الكرة في ملعب أصحاب السياسة في الحكومة والوزارة، نحن في هيئة تطوير مهنة التعليم وضعنا جميع الأسس، وصلنا لتصور كامل لرفع مكانة هذا المعلم، نحن بحاجة لإستمرار هذا العمل وهذا الجهد في وزارة التربية والتعليم، والجهات الرسمية الحكومية لوضع كادر خاص بالمعلمين، وعلاوة المهنة، وإتاحة الفرصة لهذا المعلم إلى التعلم الذاتي من خلال الدورات وإحتساب المشاركة في هذه الدورات لرفع رتبته، وهذا سيزيد من رضا المعلم الوظيفي، ويزيد من ثقته بنفسه. هذه المكانة موجودة دائما، أحيانا تخبو، وأحيانا ترتفع، لكننا نؤكد على وجود حركة داخل الوزارة للإهتمام بهذا الموضوع، وحدد مجلس الوزراء عام 2012 عام التعليم النوعي، وسمعنا رئيس الوزراء يتحدث عن مكانة المعلم، ودعم المعلم، وىخر تصريح كان في يوم المعلم العالمي، وفي القدم كان المعلم قيادة، كان رسولا، ونبيا، وجميع الأنبياء كانوا معلمين، مهنة التعليم مهنة شريفة مر من خلالها أصحاب المهن الأخرى
سؤال: أستاذة رشا: لفت إنتباهي عندما سئل المعلمون عن سبل تعزيز مكانة المعلم، قال بعضهم: أن لا ينظر إلى المعلم بطريقة فوقية، بعضهم قال أن تعود إليه الصلاحيات التي سلبت منه، أنت كنت معلمة ماذا تعلقين على هذا؟
لا أدري ما هي الصلاحيات التي سلبت، لكن النظرة الفوقية مهمة، وأنا تحدثت على سبيل المثال عن التقييم الذي يحدث من أعلة إلى أسفل من الضروري أن يتم من أسفل إلى أعلى، وهذا يعطي الحق للمعلم لتقييم المدير، والمشرف، وجهاز التربية، شيء آخر مهم للغاية وهو أين دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم المعلم، فالجامعات عليها أن تيسر التعلم المستمر للمعلم مجانا، وأن تقدم منح لبناء المعلمين، نحن أيضا بحاجة لبنية تحتية يكون المعلم هو المستهدف وليس الطالب، على سبيل المثال نسعى لتوظيف تكنولوجيا المعلومات بينما المعلم لا يوجد لديه جهاز حاسوب في البيت، بينما الطلبة يملكون في بيوتهم، وهذا يحدث فجوة، ويمكننا أن نحاسب المعلم بعد تأهيله وتوفير مقومات النجاح له.
د. غسان: لو سمحت كلمة اخيرة في نصف دقيقة؟
المعلم له حقوق، وعليه واجبات، عليه الإلتزام بالتعليمات بالنظام، وفي نفس الوقت يسعى لإنتزاع حقوقه غذا كانت هذه الحقوق غير متوفرة
أعزائي المشاهدين
أختم بما سئِلبه رئيس وزراء اليابان في العام 1995 عن سبب التطور التكنولوجي في بلاده فأجاب : لقد اعطينا المعلم، راتب وزير، وحصانة الدبلوماسي، واجلال الامبراطور، ربما لا نطمح إلى كل هذا في فلسطين، لكننا نطمح إلى تعزيز مكانة المعلم لأن هذا يعني الكثير
في نهاية حلقة اليوم نتقدم بالشكر الجزيل لضيفينا، معا نحو بيئة تربوية لطفولة سوية
فهل هي ذات الصورة في الوقت الحاضر ؟ هل أصبحت مهنة التعليم مهنة غير جاذبة ؟ وكيف يؤثر هذا على نفسية المعلم ؟ وعلى أدائه؟ وما العوامل المختلفة التي تؤدي إلى عدم تقدير المجتمع للدور والمسؤوليات التي يقوم بها المعلم ؟ وكيف يمكن تعزيز هذه المكانة على نحو لائق.
للحديث عن مكانة المعلمين الإجتماعية وسبل تعزيزها يسعدنا أن يكون معنا د. غسان سرحان / القائم بأعمال رئيس هيئة تطوير مهنة التعليم، والأستاذة رشا عمر / مديرة دائرة المباحث العلمية في مركز تطوير المناهج، أهلا وسهلا بكما:
سؤال: د. غسان: كيف يمكن توصيف المكانة الإجتماعية للمعلمين بين الماضي والحاضر ؟
عند الحديث عن المعلم ومكانته الإجتماعية، باستمرار ننظر إلى المعلم على أنه صاحب رسالة، لن تتغير على مر العصور، ولا بأي ظرف من الظروف، لذلك تبؤ المعلم مكانة إجتماعية في الماضي، وهنا لن أتحدث عن الماضي البعيد جدا، بل القريب ومن واقعنا في المجتمع الفلسطيني، حيث كان المعلم صاحب شأن، ينظر إليه كأحد الرموز في البلد، على مستوى القرية، في المجتمع المحلي، حيث كان أحد أربعة عناصر أساسية حيث اي حركة المجتمع الفلسطيني، من حيث الحفاظ على التراث، على العادات والتقاليد، بناء الأجيال، صقل المواهب، وأمور أخرى عديدة داخل المجتمع، وهذا يعود للمكانة الإجتماعية التي كان يتبؤها هذا المعلم. لكن في الآونة الأخيرة يمكن أن تكون هناك بعض الظروف التي تغيرت، بإعتقادي أن ظروف الإحتلال كان لها دورا في ذلك وخاصة فترة السبعينات وبداية الثمانينات، حيث العمل داخل الخط الأخضر، حيث المردود الإقتصادي لعب دورا في تغيير النظرة، حيث أصبح دخل العامل أكثر من دخل المعلم، حيث أصبح هناك عزوفا عن هذه المهنة، أو أصبح دخل مهنة المعلم لا يكفي لتغطية النفقات الخاصة بالأسرة، الأمر الذي أثر على الناحية الإجتماعية.
لكن منذ نشوء السلطة بدأ المعلم يأخذ وضعا آخر، حيث بدأ الإهتمام بالمعلم من حيث التوظيف، والبرامج التأهيلية، وبرامج الجامعات في إعداد المعلم، وهذا يعد نقلة نوعية، ومحاولة إعادته لسابق عهده من جديد.
سؤال: أ. رشا: كنت معلمة ومديرة لفترة طويلة، قبل أن تكوني في مركز المناهج، كيف تتحدثين عن موضوع المكانة الإجتماعية للمعلمين الفلسطينيين ؟
أؤيد ما قاله د. غسان من أن وضع المعلم في السابق كان أفضل، وحتى نعزز من وضع المعلم ومكانته الإجتماعية هناك مكونان رئيسيان لا بد من العمل عليهما: وهما الجانب المادي، والجانب المعنوي، فالجانب المادي المتمثل براتب جيد هو حق للمعلم، وهو ما يوفر معيشة كريمة يطمح لها اي إنسان، وعندما لا يتوفر له راتب كاف يضطر للعمل بوظيفة أخرى، وبعض هذه الوظائف قد يقلل من مكانة المعلم الإجتماعية، كأن يكون سائقا وطلابه هو الركاب، وهذا سيء بالنسبة للمعلم.
أما الجانب المعنوي فيجب أن يمتلك المعلم مهارات حياة، كالإتصال والتواصل، والثقة بالنفس، وحل المشكلات، الوعي البيئي، وحتى يمتلك المعلم هذه المهارات لا بد أن يمتلك المعرفة، حتى يقيم ذاته بشكل أفضل، ومن المهم للغاية أن يعمل المعلم على تطوير ذاته، وأن تعمل برامج إعداد المعلمين على تنمية هذه المهارات، كذلك الإتجاهات مهمة، وضمنها يأتي أن يحب المعلم مهنة التعليم، وأن يتوجه لها بحب، وإنتماء، وهكذا تكون رسالته أقوى، أحيانا المشكلة تكمن في وجود فجوة بين المهارات والمعرفة، والإتجاهات، كما أن الإنتماء يلعب دورا في تطوير الذات بشكل مستمر.
أتذكر أننا عملنا على دراسة عام 2000 في مشروع المدرسة صديقة الطفل، وكان أحد أهم محاورها المدرسة صديقة المعلم، وكان أحد القضايا المهمة أن يدرس المعلم تخصصه، وأن يكون عدد الحصص مناسب، وأن يقوم بتقييم المشرف، والمدير، جميع هذه العناصر تعزز دور المعلم، كما أن وجود وحدة في الوزارة تهتم بالمعلم من شانه تعزيز هذه المكانة
في الحديث عن مكانة المعلمين الإجتماعية، قمنا باستطلاع آراء بعض المعلمين/ات، والمديرين/ات حول هذا الموضوع، لنشاهد معا، ثم نعود إلى الحوار.
أحد المعلمين: في الحديث عن مكانة المعلم، أعتقد أن هذه المكانة قد تراجعت بين الماضي والحاضر، وأظن أن السياسات المتبعة قد أدت إلى هذا الأمر.
مديرة مدرسة: هذه المكانة تعززت بنواحي، وتراجعت بنواح أخرى، تراجعت من حيث نظرة المعلم لنفسه لأسباب إقتصادية، حيث أن مهنة التعليم أقل الوظائف تعزيزا من الدولة، من ناحية إجتماعية أعتقد أن هذه المكانة موجودة، وهي في أعلى السلم، حيث هذه المكانة محفوظة لدى الطلبة، وكذلك أولياء الأمور.
أحد المعلمين: هذه المكانة تراجعت كثيرا، في الماضي كان للمعلم مكانة مرموقة حيث نظرة المجتمع الإيجابية له، ويعود هذا لعدة أسباب، حيث كان يجد إحتراما بين الناس، مكانته جيدة، مكتفي إقتصاديا، حيث النواحي الإقتصادية تؤثر على النواحي الإجتماعية، أما في الحاضر فمع حاجة المعلم الإقتصادية يضطر للعمل في أكثر من مهنة مما عمل على تراجع مكانته عن السابق.
مدير مدرسة: كان ينظر للمعلم على أنه المصدر الوحيد للمعلومات، وأنه العارف بجميع العلوم، حتى أن المعلم قديما كان يدرس جميع المباحث، وكان هذا يعطيه مكانة إجتماعية بين الناس، أما في الوقت الحالي فالمكانة تعززت حيث أصبح يدرس تخصص معين، ولا ينبغي النظر للمعلم فقط من الناحية المادية، حيث يربط البعض بين مكانة المعلم وبين الناحية المادية وهذا خطا شائع. المعلم صاحب رسالة، ورؤيا، يقوم بتأديتها بغض النظر عن نظرة الناس إليه.
إحدى المعلمات: تراجعت هذه المكانة بشكل كبير وملحوظ، في الماضي كان للمعلم هيبته، ومكانته، وإحترامه، أتذكر كيف كنا نحترم معلماتنا، اليوم أصبح المعلم هو من يخاف الطالب
سؤال: د. غسان: شاهدنا معا بعض الآراء للمعلمين، والمديرين، رأيكم فيما طرح ؟
الآراء تجسد تجربة من يرويها، ونظرته لوضع هذا المعلم ومكانته، أنا مع بعض الأمور التي طرحت، وأتحفظ على البعض الآخر، أعتقد أن مكانة المعلم ما زالت موجودة، وما دام هناك دعم سياسي لهذا المعلم سيستمر في القيام بواجبه ودوره كما يجب، لكن من حيث النظرة الإقتصادية، قد لا يكون دخل المعلم من أدنى المدخولات في الوقت الحالي، لكنه لا يكفي للمعلم ليكون قدوة، فالمعلم القدوة يجب أن يكون في وضع يقبل هذه الوظيفة، ويدافع عنها، يفتخر بها، يرى نفسه في عيون الطبيب والمهندس، والمقاول، وأي إنسان في المجتمع، على أساس أنه صانع هذه الأجيال، وهو الذي يهندس العقول، إذن هو صاحب مهنة، فإذا نظر المعلم لنفسه على أنه صاحب مهنة سيفتخر، وستكون له مكانة إجتماعية عالية. الزملاء الذين تحدثوا عن النظرة للمعلم بين الماضي والحاضر أتوقع أن هذه المكانة ما زالت موجودة، ولكن لو حكمنا على الموضوع فقط من ناحية إقتصادية ممكن يكون اللي تفضلوا فيه صحيح.وأنا لا أنكر أهمية الجانب الإقتصادي، ولكن ثقة المعلم بنفسه مهمة أيضا وتلعب دورا مهما
سؤال: أ. رشا: هل تؤيدين ما طرح في المقابلات، وأنت كنت معلمة لسنوات ؟ هل الموضوع الإقتصادي هو الموضوع الأهم ؟
أنا أتفق مع الذي ذكر أن المعلم صاحب رسالة أولا وأخيرا، في الدراسة التي تحدثت عنها سابقا عام 2000 كان الراتب آخر ما تحدث عنه المعلمون، سبقها أن المعلم بحاجة إلى أمان وظيفي، وأن يسمح له النظام بتقييم ذاته وطلابه، هو يطلب عدالة داخل المدرسة، وسلم للترقيات، وأن يكون هناك تشجيع وتعزيز للمعلم المتميز، وأن يكون هناك دورات تطويرية، لا أحد ينكر أهمية الراتب، ولكن يسبقه قضايا أخرى كثيرة، الوزارة تعمل حاليا على جوانب تطويرية كثيرة، ينبغي أن يكون المعلم في سلم أولوياتها، في الدرجات، وتقليل نصابه من الحصص، وهذا ما تغطيه المهننة التي نأمل تحقيقها في المرحلة القادمة، وتطبيقها بشكل عملي.
سؤال: د. غسان في موضوع المكانة الإجتماعية للمعلمين أثبتت بعض الدراسات أن سياسات الدولة تلعب دورا كبيرا في رفع وتعزيز مكانة المعلم الإجتماعية ما رأيكم ؟
نحن نعمل الآن في وزارة التربية والتعليم على معايير المعلم برتبه المختلفة، الشغل الشاغل لنا في هيئة تطوير مهنة التعليم هو المعلم، ورفع المكانة ليس بالضرورة أن يكون باستمرار هو رفع الراتب، وما هذا إهتممنا به في الهيئة، فأخذناه بأكثر من إتجاه، فركزنا على الناحية المعنوية للمعلم، بحيث يعتز بمهنته، وإعادة الكرامة لهذا المعلم، الكرامة المعتمدة على الكرامة الإجتماعية، والكرامة الإقتصادية، أما الناحية الثانية فهي تأهيل المعلم، فمن خلال إستراتيجية إعداد وتأهيل المعلمين تم الحديث عن تأهيل المعلمين قبل الخدمة، وأثناء الخدمة، وهذا يكفل إعداد المعلم بشكل سليم، ومن ناحية عملنا على رتب المعلمين، ففي المستقبل سيكون عندنا المعلم، والمعلم الأول، والمعلم الخبير، وفي كل مرحلة سيقيم المعلم نفسه، وأن يعمل ملفا وظيفيا له، هذا الملف المهني، أو الوظيفي سيعزز ثقته بنفسه، ويتقدم به لهذه الرتبة الجديدة، وفي هذه الرتبة سيتعزز وضعه الإقتصادي، حيث سينال علاوة وظيفية، وعلاوة إقتصادية. النقطة الأخيرة هي إجازة مزاولة المهنة، على غرار الطبيب والمهندس أو أي مهنة أخرى في هذا المجتمع، وفي السنوات القادمة لن يعين في وزارة التربية والتعليم سوى من يحمل مؤهل تربوي، حيث غيرت الجامعات في كثير من برامجها، إضافة إلى البدء داخل الوزارة بتأهيل المعلمين أثناء الخدمة إبتدات بتأهيل المعلمين من صف أول لرابع، وسيعقبها تأهيل المعلمين من خامس لعاشر، على أن يتبعها خطوات لصف 11+ 12
سؤال: أ. رشا: في الحديث عن مكانة المعلم، هل من علاقة بين هذه المكانة ومخرجات عملية التعليم ؟
من المؤكد، فالمعلم الذي يشعر بالإحباط والعجز، سينعكس على طلبته، المشكلة الكبرى التي كانت تواجه المعلم هي أن جميع من حوله يتطورون ويسيرون نحو الأمام بينما هو يبدأ بمبلغ 1500 شيكل وينتهي بمبلغ 2000 شيكل، ولا يتطور، حتى لو تعب ودرس ونال الماجستير وضعه لا يتغير، ويمكن للإستراتيجية التي تحدث عنها د. غسان أن تحدث نقلة نوعية. كنا نتفاجأ في بعض المعلمين الذين لا يبذلون جهدا، بينما بعضهم مبدعين، كيف سنميز بين هذين النموذجين ؟ لا بد من وجود أداة تقيس وبالتالي تقدر وتقيم، وتعطي حوافز للمعلمين
في الحديث عن تعزيز مكانة المعلمين الإجتماعية، والسبل التي يمكن من خلالها تعزيز هذه المكانة، قمنا باستطلاع آراء بعض المعلمين/ات، والمديرين/ات حول هذا الموضوع، لنشاهد معا، ثم نعود إلى الحوار.
أحد المعلمين: بالإمكان تحقيق ذلك عن طريق قوانين جديدة تمكن المعلم من إثبات ذاته، وإظهاره في المجتمع على أنه ذو قيمة كبيرة، وأنه من ينشئ الأجيال.
مديرة مدرسة: الحل في مهننة التعليم، بمعنى جعل التعليم مهنة كسائر المهن الأخرى، له رتب مزاولة للمهنة
أحد المعلمين: الحل هو أن نكفيه إقتصاديا، أن ننظر له نظرة إحترام وتقدير من قبل الدولة ومؤسساتها المختلفة، وأن لا تكون النظرة له فوقية، التعامل مع مطالبه بدراسة وأن لا تقابل بالرفض الدائم، وأن نكفه عن العمل خارج أوقات الدوام الرسمي.
إحدى المعلمات: الصلاحيات التي سلبت منه أثرت عليه، وبالتالي يجب أن تعود، وتقيل تدخل أولياء الأمور في شؤون المدارس، وتحسين وضعه الإقتصادي
سؤال: د. غسان إستمعنا لكثير من الآراء، ما رأيكم فيما طرح ؟
الآن الكرة في ملعب أصحاب السياسة في الحكومة والوزارة، نحن في هيئة تطوير مهنة التعليم وضعنا جميع الأسس، وصلنا لتصور كامل لرفع مكانة هذا المعلم، نحن بحاجة لإستمرار هذا العمل وهذا الجهد في وزارة التربية والتعليم، والجهات الرسمية الحكومية لوضع كادر خاص بالمعلمين، وعلاوة المهنة، وإتاحة الفرصة لهذا المعلم إلى التعلم الذاتي من خلال الدورات وإحتساب المشاركة في هذه الدورات لرفع رتبته، وهذا سيزيد من رضا المعلم الوظيفي، ويزيد من ثقته بنفسه. هذه المكانة موجودة دائما، أحيانا تخبو، وأحيانا ترتفع، لكننا نؤكد على وجود حركة داخل الوزارة للإهتمام بهذا الموضوع، وحدد مجلس الوزراء عام 2012 عام التعليم النوعي، وسمعنا رئيس الوزراء يتحدث عن مكانة المعلم، ودعم المعلم، وىخر تصريح كان في يوم المعلم العالمي، وفي القدم كان المعلم قيادة، كان رسولا، ونبيا، وجميع الأنبياء كانوا معلمين، مهنة التعليم مهنة شريفة مر من خلالها أصحاب المهن الأخرى
سؤال: أستاذة رشا: لفت إنتباهي عندما سئل المعلمون عن سبل تعزيز مكانة المعلم، قال بعضهم: أن لا ينظر إلى المعلم بطريقة فوقية، بعضهم قال أن تعود إليه الصلاحيات التي سلبت منه، أنت كنت معلمة ماذا تعلقين على هذا؟
لا أدري ما هي الصلاحيات التي سلبت، لكن النظرة الفوقية مهمة، وأنا تحدثت على سبيل المثال عن التقييم الذي يحدث من أعلة إلى أسفل من الضروري أن يتم من أسفل إلى أعلى، وهذا يعطي الحق للمعلم لتقييم المدير، والمشرف، وجهاز التربية، شيء آخر مهم للغاية وهو أين دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم المعلم، فالجامعات عليها أن تيسر التعلم المستمر للمعلم مجانا، وأن تقدم منح لبناء المعلمين، نحن أيضا بحاجة لبنية تحتية يكون المعلم هو المستهدف وليس الطالب، على سبيل المثال نسعى لتوظيف تكنولوجيا المعلومات بينما المعلم لا يوجد لديه جهاز حاسوب في البيت، بينما الطلبة يملكون في بيوتهم، وهذا يحدث فجوة، ويمكننا أن نحاسب المعلم بعد تأهيله وتوفير مقومات النجاح له.
د. غسان: لو سمحت كلمة اخيرة في نصف دقيقة؟
المعلم له حقوق، وعليه واجبات، عليه الإلتزام بالتعليمات بالنظام، وفي نفس الوقت يسعى لإنتزاع حقوقه غذا كانت هذه الحقوق غير متوفرة
أعزائي المشاهدين
أختم بما سئِلبه رئيس وزراء اليابان في العام 1995 عن سبب التطور التكنولوجي في بلاده فأجاب : لقد اعطينا المعلم، راتب وزير، وحصانة الدبلوماسي، واجلال الامبراطور، ربما لا نطمح إلى كل هذا في فلسطين، لكننا نطمح إلى تعزيز مكانة المعلم لأن هذا يعني الكثير
في نهاية حلقة اليوم نتقدم بالشكر الجزيل لضيفينا، معا نحو بيئة تربوية لطفولة سوية