السيدات والسادة مجلس شركاء إلهام فلسطين
الأخوات والأخوة رواد ومبادرو العمل التربوي
الأخوات والأخوة الحضور جميعاً مع حفظ الألقاب
يشرفني أن أكون معكم اليوم، لنحتفل معاً بتتويج وتوطين مبادرة تربوية خلاقة تستحق التقدير والاهتمام، لما تمثله من شراكة وتعاون مثمر من قبل القطاعات والمؤسسات المعنية في محاولة جادة للنهوض بواقع العملية التربوية وبيئتها وافاقها في فلسطين. إذ نجح المبادرون من مؤسسة التربية العالمية في بناء شراكة فعالة شملت وزارتي التربية والتعليم العالي، والصحة، وبرنامج التربية والتعليم في وكالة الغوث، ومؤسسة التعاون، بالاضافة إلى صندوق الاستثمار الفلسطيني والاتحاد الفلسطيني لشركات أنظمة المعلومات.
إن اتساع هذه الشراكة وتنوع قطاعاتها يعبران عن اهتمام واسع بواقع التعليم بما يشمل التقاط المبادرات الخلاقة للمشاركين والفاعلين في العملية التربوية وتطويرها وتعميمها. ويسعدني في هذه المناسبة أن أنقل إليكم جميعاً تحيات الأخ الرئيس أبو مازن، وتثمينه لجهودكم النبيلة في هذا المجال الحيوي من حياة شعبنا ومقومات صموده وتطوره، واستنهاض الطاقات الكامنة لطلبتنا والعاملين في قطاع التربية والتعليم.
واسمحوا لي كذلك أن أحيي من خلالكم كافة العاملين في قطاع التربية والتعليم، لما يقدمونه من جهد وتفان للنهوض بواقع التربية والتعليم في بلادنا، واستعادة المكانة التي تميز بها شعبنا على هذا الصعيد، وبما يمكن من تعزيز المبادرات القادرة على تحرير العقل والابداع بآفاقه الرحبة.
إن نجاح مجلس شركاء إلهام فلسطين في تحقيق هذا المستوى من التعاون، والتقاط هذا الحصاد الهام من المبادرات الخلاقة، إنما يؤكد مدى الحاجة لتوفير الحوافز، وتشجيع المبادرات، وتعميم الإبداعات الفردية والمؤسساتية وصولاً إلى تحقيق أفضل بيئة تربوية، تمكن من توفير متطلبات الرعاية المتكاملة للعملية التربوية بكافة أبعادها. وهذا ما تمكن إلهام فلسطين من ابرازه واثبات جدواه، بما في ذلك من خلال مواصلة الجهد لتعميمه وتوطينه.
لقد أبدى شعبنا أيها الأخوات والأخوة على مدار سنوات ما بعد النكبة اهتماماً خاصاً بالتعليم، وذلك رداً على محاولات طمس وتبديد الهوية الوطنية. فكان التميز العلمي والفكري والمعرفي لأبناء وبنات فلسطين سمة أساسية لشعبنا، وشكل أحد أهم مقومات صموده وقدرته على النهوض، لا بل وأثمن ثرواته. وقدم أبناء شعبنا مساهمات بارزة نحو التطور العلمي والمعرفي والثقافي والاقتصادي لدول الجوار وفي العديد من بلدان العالم. كما أن تسلحهم بالعلم والمعرفة مكنهم من حماية الهوية الوطنية وبلورتها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وقائدة كفاحه من أجل الحرية والاستقلال. وقد بذل أهلنا، على مر السنين، الغالي والنفيس كي يوفروا لأبنائهم فرص التحصيل الأكاديمي المتميز. ولعل العدد الكبير من العلماء والخبراء الفلسطينيين هو خير دليل على ذلك.
الأخـوات والأخـوة،
لقد ساهمت ممارسات الاحتلال عبر سنواته الطويلة في اضعاف الدعائم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لشعبنا ومجتمعنا الفلسطيني، حيث لم تتوقف عملية الحاق الضرر بالمؤسسات التعليمية والتضييق عليها بشتى السبل. وقد شمل ذلك بنيتها التحتية ومرافقها ومواردها التعليمية وكادرها التربوي وطلبتها، على حد سواء، مما ساهم بدرجة كبيرة في تراجع جودة التعليم ومخرجاته. وهنا فإنني أؤكد لكم أن مهمة وقف هذا التراجع، لا بل والنهوض بالعملية التعليمية، يشكل أبرز أولويات عمل السلطة الوطنية وخططها التنموية. وفي هذا الإطار، فإنني أؤكد أمامكم التزامنا بدعم الخطة الخمسية لتطوير قطاع التعليم والخطط الفرعية المنبثقة عنها مثل مبادرة التعليم الفلسطينية، وخطط تأهيل وتدريب المعملين. كما ستواصل السلطة الوطنية دعم مسيرة التعليم العالي، وجهودها لتطوير قدرة السوق المحلي على استيعاب الخريجين والكفاءات، للحد من البطالة، ووقف هجرة الأدمغة، بالاضافة إلى العمل بشتى الوسائل لاستحداث سياسات واجراءات تهدف بشكل مباشر الى الاستفادة من الكفاءات الفلسطينية في الشتات وتعزيز مساهمتها في بناء الوطن وتحقيق استقلاله وتقدمه.
وهنا فإنني أحيي مشاركة القطاع الخاص في هذه المبادرة الريادية لتحفيز الابداع وتشجيع روح المبادرة لدى أطفال وشباب فلسطين، وبما يمكن من بناء اقتصاد ومجتمع المعرفة الذي نتطلع إليه. فالاستثمار في تنمية الانسان الفلسطيني يشكل أساساً للاستثمار الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. كما أن البيئة المعلوماتية لم تعد فقط أداة لتطوير التعليم وجودة البيئة التربوية والارتقاء بها ، بل أصبحت هي في حد ذاتها بيئة تعلمية تساهم بشكل جوهري في تعليم الأطفال والشباب، وفي تشكيل وصقل شخصيتهم المعرفية، الأمر الذي يتطلب تعظيم دورها الايجابي، والحد من آثارها السلبية على صحتهم الجسمية والنفسية.
الأخـوات والأخـوة
لقد شكلت ممارسات الاحتلال الاسرائيلي بحق أطفالنا الطلبة انتهاكاً صارخاً للاعلان العالمي لحقوق الطفل، الذي ينص صراحة على حق الأطفال في الحماية والرعاية والأمن والأمان، وغيرها من المتطلبات الأساسية لنشأتهم السوية، حيث ولَّدت مشاهد العنف والموت والاجتياحات والحواجز والاغلاقات معاناة هائلة لأطفالنا وطلبتنا، وسلبتهم حقهم الطبيعي في عيش طفولتهم بأمان واستقرار، وأثقلت قلوبهم وأرواحهم الصغيرة بالألم، وزرعت فيهم الخوف والقلق على حياتهم وحياة أسرهم وذويهم. ان هذا الأمر يضاعف من مسؤولياتنا أولاً في وضع حد لهذه المعاناة وتلك الانتهاكات، وثانياً في توفير البيئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية القادرة على اعادة الطمأنينة الى نفوس أطفالنا، وزرع الأمل والثقة لديهم، ومساعدتهم على أن ينشأوا نشأة سوية كمواطنين واثقين بأنفسهم ومستقبلهم، ومتمسكين بهويتهم وعدالة قضيتهم، وقادرين على المساهمة في بناء مجتمعهم ووطنهم. وهنا يكتسب إلهام فلسطين أهمية خاصة تتطلب المثابرة والعمل على توطينه، وتطوير التوافق والتكامل بين منظوره التربوي ومنطلقاته الفكرية وبين استراتيجية عمل وزارة التربية والتعليم وخطتها الخمسية، وبالتعاون مع كافة المؤسسات التربوية الأخرى في وكالة الغوث والمؤسسات الأهلية التربوية، بما يساهم في تشجيع وترسيخ الريادية والمبادرة والابداع، والانفتاح على المجتمع وتطوير البيئة المدرسية، وشعور الطلاب بالانتماء لمدرستهم، وتفاعلهم مع انشطتها المدرسية المنهجية منها واللامنهجية. كما ان مساهمة وزارة الصحة تنطلق من أهمية الاستجابة لمتطلبات الصحة الشمولية للأطفال بمختلف أبعادها البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية، وذلك من منطلق إدراك أهمية الترابط بين تعليم الأطفال وتربيتهم، وبين صحتهم وعافيتهم، لما لصحة الأطفال من تأثير مباشر على قدراتهم في التعليم والتحصيل والنجاح والابداع.
الأخـوات والأخـوة،
استهدفت إستراتيجية عمل السلطة الوطنية وخطة التنمية والاصلاح للأعوام "2008-2010"، بشكل رئيسي بناء المؤسسات القوية القادرة على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين في مختلف المجالات، وخاصة في مجال التعليم والصحة. كما أنها ترتكز على الانفتاح على المجتمع وطاقاته، والتكامل مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وذلك بهدف تحقيق أسس التنمية الكفيلة بتعزيز صمود شعبنا، وقدرته على مواجهة أعباء وتحديات التطور والتنمية بما يمكنه من مواصلة كفاحه الوطني لانجاز حقوقه في الحرية والاستقلال والتنمية والازدهار. وإن قيام السلطة الوطنية بتنفيذ المشاريع التنموية في المناطق الريفية والمهمشة والمتضررة والمهددة من الجدار والاستيطان، والتي تعاني بسبب ذلك من نقص الخدمات والبنية التحتية، يستهدف أساساً تعزيز قدرة شعبنا على الصمود، والتغلب على الواقع الصعب الذي تفرضه ممارسات الاحتلال. كما يستهدف مشاركة المجتمع المحلي في تحديد الأولويات، والمشاركة في صنع القرار، والذي بات يشهد نقلة ملموسة في وعي المواطنين لاحتياجاتهم الجماعية. ونؤكد لكم التزام السلطة الوطنية بمواصلة تنفيذ هذه المشاريع التي تشمل كذلك بناء المدارس، والغرف الصفية، والأندية، والمراكز المجتمعية والثقافية، إضافة إلى تطوير الموارد البشرية، وإطلاق المبادرات، وتكامل العملية التربوية، داخل المدارس وعلى صعيد المجتمع برمته. ونرى فيما أحدثه إلهام فلسطين على هذا الصعيد نموذجاً يحتذى به. ومن هذا المنطلق، فإننا نثمن النهج التربوي الشامل لإلهام فلسطين والذي يستهدف كافة مناحي البيئة المدرسية، ونقدر له اسلوب عمله الذي يقوم على خلق شراكة مجتمعية جامعة تهدف الى احداث نقلة نوعية في البيئة التعلمية والتربوية لاطفال فلسطين. إنها لدلالة كبيرة بأن تحظى فلسطين بدور الريادة في تطوير وتوطين برنامج إلهام ليكون نموذجا تقتبسه دول وشعوب أخرى. ولست بحاجة للتأكيد على ما يحمله ذلك في ثناياه من إقرار بجدارة الشعب الفلسطيني وقدرته على الابداع والتميز رغم ما يواجهه من معاناة وصعوبات. ففي فلسطين حقا ما يستحق الحياة.
وفي هذه المناسبة، فإنني اتقدم الى مجلس شركاء إلهام بأحر التهاني على هذا الانجاز في حصاد العام الأول ، والريادة في توطينه كعملية دائمة ومتطورة للنهوض بالبنية التربوية. واخص بالشكر مؤسسة التربية العالمية التي قادت هذه الشراكة برؤية وطنية تربوية ملهمة وباصرار وعزم واضحين، حيث حرصت دوما على ابراز وجه فلسطين المبدع والمشرق في العديد من المحافل الدولية والاقليمية.
ان هذا النهج التشاركي، والرؤية الواضحة التي يستند اليها إلهام فلسطين، والجلد والاصرار على تفعيل هذه الشراكة على مختلف المستويات، قد جعل منه نموذجاً دولياً ملهما، وأمّن له اعترافاً دوليا مرموقا. وقد تجسد ذلك في فوز إلهام فلسطين بالمرتبة الأولى، مناصفة مع مبادرة تربوية من جنوب أفريقيا، في جائزة التميز الدولي كشراكة خلاقة في قطاع التعليم.
وفي هذا المجال، فإننا نؤكد دعمنا الكامل لهذه الشراكة الوطنية، والتزامنا ببذل كل جهد مستطاع من اجل ترسيخها وتوسيعها ورعايتها. ان شراكة وطنية يتبوأ فيها اطفالنا موضع القلب تستحق منا كل دعم ومساندة. وفي هذا السياق، يسرني أن أعلن هنا أن الحكومة ستكرس، في إطار إلهام فلسطين، جوائز تقديرية وتشجيعية سنوية لكل واحدة من فئات المجتمع المدرسي، تشمل المدرسة المبدعة، والمدير المبدع، والمعلم المبدع، والطالب المبدع. وهذا يأتي ضمن رؤية تنموية تحفز وترعى الابداع في مختلف مناحي الحياة في بلادنا، ونأمل أن يقوم مجلس شركاء إلهام فلسطين بوضع الآلية والمعايير اللازمة لتنفيذ هذا الأمر. فالتقاط الإبداع ورعايته يستحقان منا كل الاهتمام، وبما يمكن شعبنا من مواجهة التحديات، ويعزز من قدرته على حماية أرضه وهويته وثقافته الوطنية، وتقدمه العملي والمعرفي.
إن حصاد إلهام فلسطين هو الذي مكننا اليوم من الاحتفال بكوكبة من كادرنا التربوي من مديرين ومعلمين ومرشدين ساهموا في إحداث نقله نوعية في المسيرة التعلمية لطلبتهم أو في البيئة التربوية لمدارسهم.
فمن الملهم حقا ان تبادر مدرسة الى تأسيس شراكة مع المجتمع المحلي والمجتمع المدني لكي يعملوا معا لاحداث نقلة نوعية في الوعي الغذائي والصحي لدى طلبة المدارس، فيستبدلون الاغذية قليلة الفائدة بزعتر فلسطين وزيتها وبخضارها الطازجة. نعم إنه من الملهم حقاً أن تتحول المدرسة الى رافد للتوعية الصحية لطلبتها. كما أنه من الملهم ان يبادر طلبة الى تأسيس مكتب وساطة طلابي يساهم بشكل فاعل في جعل مناخ المدرسة اكثر وئاماً وسلماً وانسجاماً، وان يبادر طلبتنا بشعور عال من المسؤولية والمواطنة الى حل مشكلة بيئية رئيسية في محيطهم، بإزالة الاثار السلبية المؤذية لصحتهم وصحة أهلهم، أو أن يبادر طلبة من مختلف المراحل العمرية بحوسبة المنهاج المدرسي برمته لتعميم الفائدة.
إن التحديات الجسام التي اكتنفت هذه المبادرات تزيد من عظمتها ومن تقديرنا لها واعتزازنا بها. إننا نرى في كل واحدة منها رسالة مثابرة وعطاء واصرار على الحياة، وهو ما يجعل منها وبحق نماذج ملهمة بكل المقاييس. إن القاسم المشترك بين كل هذه المبادرات أن وقودها ومحركها الرئيسي هو دافع ذاتي وانتماء مجتمعي عميق، والتزام قيمي بتوفير بيئة تربوية افضل لاطفال فلسطين، وقدرة عظيمة في التعاطي مع التحديات المختلفة. فلا الاحتلال ولا جدرانه ولا حواجزه ولا بواباته كسرت ارادة ابناء وبنات فلسطين، أو قدرتهم على الإبداع والتميز وإطلاق المبادرات.
الأخـوات والأخـوة
قبل أن أختم حديثي، اسمحوا لي مرة أخرى أن أتوجه بالتقدير لكل من ساهم في صنع هذه التجربة وساهم في هذا النجاح. وكونوا على ثقة بأن سلطتكم الوطنية، وهي تسير مع شعبنا نحو الحرية والاستقلال وبناء ركائز الدولة الفلسطينية، ستكون دوماً معكم للنهوض بواقع شعبنا، وتعزيز قدرته على العطاء، وتحقيق كل ما من شأنه تقدم شعبنا ورفعته في دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
وأخيراً أتمنى لمبادرتكم الاستمرار والنجاح والتقدم، وأتمنى للفائزين بجوائز حصاد إلهام فلسطين المزيد من التقدم في خدمة وطنهم، والارتقاء بالعملية التربوية في فلسطين.
شكـراً لكـم والسلام عليكـم